جهود العلماء في تصنيف الحيوانات

علم التصنيف (Taxonomy) هو أحد فروع علم البيولوجيا الذي يُعنى بتصنيف الكائنات الحية والمنقرضة، اشتقت التسمية من الكلمتين الإغريقيتين (Taxa) التي تعني ترتيب و(Nomos) التي تعني قانون، بعبارة أخرى يشكل علم التصنيف منهجية ومبدأ لترتيب الكائنات وفق قوانين أو خصائص محددة ضمن مجموعات.
الفيلسوف أرسطو (322-384 قبل الميلاد) هو أول من حاول تصنيف مختلف المخلوقات بناءً على تشابه صفاتها، وكانت نظرة أرسطو للحياة على أنها هرمية، فقد افترض أنه يمكن تصنيف المخلوقات بالترتيب من الأدنى إلى الأعلى (باعتبار أن الجنس البشري هو الأعلى)، وهذا الترتيب يُطلق عليه اسم سلم الطبيعة (Scala Nature)، ويبدأ بالكائنات الدنيا تصاعديًا نحو الكائنات العليا.
ابتكر الفيلسوف الإنجليزي جون راي (1628-1705 م) نظامًا لتصنيف آلاف النباتات حسب صفاتها الشكلية في كتابه (Methodus Plantarum Nova) الصادر عام 1682 م، وقد كان نظام التصنيف خاصته الأول الذي يقسم النباتات المزهرة إلى نباتات أحادية وثنائية، كما عبّر عن أوجه التشابه بين الأنواع بشكل كامل.
تجدر الإشارة إلى أن العالم جون ري قدّم تعريفًا عمليًا لمفهوم الأنواع، والذي أصبح المبدأ الأساسي للتصنيف البيولوجي المبني على الملاحظة التجريبية، والتي تعارض التصنيف الأرسطي للكائنات الذي يعد البداية التي انطلق منها العلماء في البحث والتعمق في مجال تصنيف الكائنات الحية.
صنّف العالِم لامارك (1744-1829 م) الحيوانات إلى فقاريات ولافقاريات، كما قسّم اللافقاريات إلى: رخويات وقشريات وديدان حلقية وعناكب وحشرات، وقد شكّل عمل لامارك تقدمًا كبيرًا في علم التصنيف، لأنه كان أول من صنّف اللافقاريات بهذا الشكل، وأول من فصل القشريات والعناكب عن مجموعة الحشرات.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد كان تصنيفه للرخويات متقدمًا جدًا بشكل يفوق جميع التصنيفات السابقة له كما ساهم لامارك أيضًا في علم التطور، فقد اقترح أن الكائنات تتغير وتتكيف وعارض فكرة أرسطو بأن جوهر كل كائن ثابت لا يتغير.
صنّف العالم كارلوس لينيوس (1707-1778 م) في عام 1758م الكائنات ضمن مملكتين رئيسيتين، هما: المملكة النباتية والمملكة الحيوانية، وقد بنى لينيوس تصنيفه على أساس بعض الخصائص الهيكلية والوظيفية مثل الحركة والاستجابة للمحفزات الخارجية وطريقة التغذية ومكونات الخلية، .
ساهم العالم شاتون باكتشاف العديد من أنواع الطلائعيات وصنّفها في عائلات وأجناس وأنواع جديدة، فعلى سبيل المثال صنّف الطلائعيات إلى بدائيات النوى وحقيقيات النوى، وشُهِد له بأن أعماله كانت سابقة لأوانه، إذ سبق اكتشافه اختراع المجهر الإلكتروني بوقت طويل.
بالإضافة إلى ذلك، صنّف الطلائعيات تبعًا للعديد من خصائصها المختلفة، فرتّبها وفقًا لكيفية عيشها إن كانت تعيش بشكل حر أم بشكل تكافلي مع اللافقاريات البحرية ونشر شاتون أعماله في عام 1925م عندما أصدر ورقة بحثية بعنوان تأملات في علم أحياء وتطور الطلائعيات (بالإنجليزية: Reflections on the Biology and Phylogeny of the Protozoa).
بعد اكتشاف الكائنات الدقيقة حدث لبس في تصنيفها، نظرًا لامتلاكها خصائص مشتركة للمملكة النباتية والحيوانية معًا، لذلك اقترح هيجل في عام 1866 م إنشاء مملكة ثالثة جديدة لاستيعاب الكائنات الحية التي تُظهر صفات مشتركة بين النباتات والحيوانات، وهي مملكة الطلائعيات، ولذلك نشأ نظام الممالك الثلاث المكوّن من المملكة الطلائعية والنباتية والحيوانية،
وأُنجز هذا التصنيف من قبل هيجل على أساس التعقيدات المورفولوجية (الشكلية) ونظام الأنسجة والخصائص الوظيفية ونمط التغذية.
مع التطور التكنولوجي استطاع العلماء دراسة الخلايا، فاكتشفوا أن المادة الوراثية تتواجد في خلايا الكائنات النباتية والحيوانية وبعض الطلائعيات تتواجد في نواة الخلية، بينما المادة الوراثية في بعض الكائنات الدقيقة تتواجد في السيتوبلازم بسبب خلوها من نواة، وبناءً على ذلك، اقترح العالم كوبلاند في عام 1958 م تصنيف جديد مكون من أربع ممالك بناءً على وجود النواة، .
في عام 1969 م وبعد التعمق في دراسة الكائنات الحية وخلاياها وفهم الفروقات بين الكائنات الدقيقة كبعض أنواع الفطريات والبكتيريا، استطاع العالم وايتكر تصنيف الكائنات الحية في خمس ممالك مختلفة ألا وهي: المملكة الحيوانية والمملكة النباتية ومملكة الطلائعيات ومملكة الفطريات ومملكة البدائيات، بحيث تشمل مملكة البدائيات البكتيريا في حين تشمل مملكة الطلائعيات الطحالب الدقيقة والكائنات الأولية.
وبهذا التصنيف فُصلت الفطريات والطلائعيات والكائنات الدقيقة عن مملكتي النبات والحيوان بسبب الاختلافات الجوهرية فيما بينها، وتكمن أهمية نظام وايتكر في أنه يعتمد في تصنيفه للكائنات الحية على العلاقة التطورية فيما بينها وعلى الصفات المظهرية، حيث يُعتقد أن ثلاثة مستويات من التنظيم الخلوي قد تطورت على ثلاث استراتيجيات مختلفة للتغذية، وهي: التمثيل الضوئي والامتصاص والابتلاع.
في عام 1990 م اقترح العالم كارل ووز نظام التصنيف المعمول به حاليًا، والذي يعتمد على العلاقات التطورية وعلى المادة الوراثية المتواجدة في الحمض النووي الريبوزي و(بالإنجليزية: Ribosomal RNA) وسمي هذا النظام بنظام المجالات الحيوية الثلاث (The Three Domains Of Life)، أولها مجال الكائنات حقيقة النوى الذي يشمل الممالك الحيوانية والنباتية والفطرية.
انطلقت جهود العلماء في تصنيف الحيوانات منذ أرسطو وحتى وقتنا الحالي، ومع تقدم العلم زاد تطور تصنيفها، فقد بدأ أرسطو تصنيف الحيوانات بالتصنيف الهرمي للكائنات، والذي ثبتت عدم صحته مع زيادة الفهم للتطور والتغيير الذي تمر به الكائنات، عندها فصلت الكائنات إلى مملكة حيوانية وأخرى نباتية، وصنّفت الأنواع في مملكة تبعًا لخصائصها.