سور الصين العظيم يمتد آلاف الأميال على طول الحدود الشمالية التاريخية للصين، وبُني السور من قِبَل أباطرة الصين على مدى قرون لحماية أراضيهم، وعلى الرغم من شهرته الواسعة وعظمته وروعة بناءه إلّا أنّ هناك الكثير من المغالطات التي تتعلق به والتي ما زالت منتشرة بين الناس رغم إثبات خطئها، ومن هذه المغالطات؛ أنّه البناء الوحيد من صنع الإنسان الذي يمكن رؤيته من الفضاء، لكن الحقيقة هي أنّه من الصعب تمييز سور الصين العظيم بالعين البشرية حتى من المدار الأرضي المنخفض، فهو يشبه بشكل كبير الحجر والتربة المحيطة به، وقد أُثبتَت هذه الحقيقة خلال رحلة فضائية صينية في عام 2003م عن طريق رائد الفضاء يانغ ليوي الذي اعترف بعدم قدرته على تحديد أي شيء من المدار.
سور الصين العظيم هو سلسلة من الجدران والتحصينات تغطي معظم الحدود الشمالية للصين، وهو بناء قديم بُني منذ حوالي 500 عام، وكان طوله يُقدّر بين (2,778-9,260) كيلومتر قبل المسح الأثري الذي أجرته إدارة الدولة الصينية للتراث الثقافي عام 2012م والتي أشارت أنّ طول السور يصل إلى حوالي – 21000 كم -، ويرجع تفاوت تقديرات طول سور الصين العظيم إلى أنّ جزء كبير منه؛ تقريباً 9,260-10,186 كيلومتر، بُنيت في عهد سلالة مينغ، أمّا طول الكلي وهو 24,076 كيلومتر تقريباً؛ فهو مجموع أطوال الجدران مجتمعة والتي في بعض الأماكن لا تكون بذات المواصفات العظيمة التي نراها في سلالة مينغ؛ فهو يتكوّن فقط من القليل من الصخور والخشب والتربة وبعض المواد الأخرى.
لم يتمكّن المغول من زراعة العديد من المحاصيل، بسبب عيشهم في السهوب، ممّا اضطرّهم إلى التجارة الزراعية مع الصين، كما كان هناك طلب كبير بين القبائل البدوية الشمالية على الحرير والقطن وغيرها من المنسوجات، بالإضافة إلى المعادن لصنع الأسلحة، وفي المقابل كان الصينيون بحاجة إلى خيل البدو الصغيرة والكثيرة للحرب، إلّا أنّ الصينيون كانوا قادرين على الاكتفاء بما لديهم من خيول أمّا المغول كانوا بحاجةٍ ماسّة للطعام والملابس، ممّا أدّى إلى خلق عدم توازن في العلاقات التجارية بين الصين ومن حولها من بدو ومغول.
كان الاتصال بين البدو الشماليين والصينيين قائمًا على مبدأ “التجارة كالحرب”، إذ كان البدو يشكلون تهديدًا عسكريًّا خطيرًا رغم أنّ عددهم كان أقل بكثير من عدد الصينيين، وكانت العلاقات التجارية – الحربية المتوترة والقائمة على مبدأ الغارات الناجحة والفعّالة من قبل قبائل البدو الشماليين – ولاحقًا المغول – للحصول على ما يريدون؛ سببًا في إنهاك السكان الصينيين،ولحماية الأرض من الغزاة الرحّل الشماليين؛ أسس القادة الصينيون منذ آلاف السنين مشاريع بناء جدارٍ يُدافع عن الحدود، ويوجد في مقاطعة شاندونغ أحد الأجزاء الباقية من هذا الجدار القديم المصنوع من تربة صلبة تسمى “الأرض الصخرية”، ويقدّر عمرها بنحو 2500 عام، وعلى مدى 2000 عام، تم بناء هذه الحراسة الحجرية التي تسمّى الآن بسور الصين العظيم، والذي يتكوّن من العديد من الجدران العظيمة التي يعود بعضها إلى القرن الخامس قبل الميلاد، ولقرون، وخلال فترة الممالك المتحاربة، قبل توحيد الصين في دولة واحدة، دافعت هذه الجدران عن الحدود.
ساهمت العديد من الأسر والسلالات في بناء وتحسين سور الصين العظيم، وكانت أسرة تشين أوّل من بدأ ببناء السور، وأكملت السلالات التالية العمل عليه، ثمّ أعادت أسرة مينغ بناء السور، وأضافت عليه، وأغلب السور المعروف اليوم هو مما بنته هذه الأسرة، وقد اسُتخدِمت الموارد التي كانت متوفرة في مكان البناء من قِبَل الفلاحين والعبيد والمجرمين وغيرهم من الناس الذين قرر الإمبراطور معاقبتهم، كما شارك الجنود في بناء الجدار وإدارة العمال، ومن المواد التي اُستخدمت في بناء الجدران القديمة أوساخ مضغوطة محاطة بالحجر، أمّا معظم جدار مينغ اللاحق بُني بالطوب، وهناك أجزاء من السور بُنيَت من خليط الأرز المصمت الذي يمتلك قوة ومقاومة الإسمنت ممّا أكسب الجدار قوة ومتانة جعلته يصمد إلى الوقت الحاضر، وتشير التقديرات إلى أنّ ملايين الأشخاص عملوا في الجدار على مدار أكثر من 1000 عام، ولم يعاملوا معاملة جيّدة ومات منهم حوالي مليون شخص.
قبل عصر الإمبراطور الأول للصين تشين شي هوانغ، كانت تُبنى جدرانًا صغيرة على مر السنين للحماية من الغزاة الشماليين، فقرر هذا الإمبراطور أن يبني سورًا عملاقًا لحماية حدوده الشمالية، فأمر ببناء سور واحد قوي يحتوي على الآلاف من أبراج المراقبة، وكان السور أيضًا وسيلة لمنع المواطنين الصينيين من مغادرة البلاد، كما أنّه ضمن سلام واستقرار الزراعة للمجتمع القديم.
خلال فترة حكم شي هوانغدي، أُنشأت 12 ولاية أو محافظة على طول السور، وفي فترة أسرة مينغ، قُسّم التحصين كلّه إلى 9 مناطق دفاعيّة، وعُيّن رئيس مركز لكل منطقة، وكانت تُعرَف هذه المناطق باسم الحاميات التسع على الحدود، وكان كل معقل رئيسي على طول السور مرتبطًا بشكل هرمي بشبكة من الأوامر العسكرية والإدارية، ويجدر الإشارة إلى أنّ هناك العديد من الدول تاريخيًّا قامت ببناء جدار على طول حدودها للدفاع عن أراضيها وسكانها مثل؛ كوريا والإمبراطورية الرومانية وأثينا والدنمارك.
في الواقع، لدى الصينيين اسمٌ آخر يطلقونه على سور الصين العظيم، ويعود المصطلح الصيني للجدار إلى ماضٍ بعيد، عندما كان لكل مدينة سورها الخاص، فاختار الصينيون اسمًا يغطّيها جميعًا على حدٍّ سواء، فالاتصال بين هذه الأسوار والمدن كان أساسيًّا لدى الصينيين في ذلك الوقت وإلى الآن، وهذا الاسم هو تشانج تشينج “cháng chéng”، وحسب القاموس المختصر القياسي لمطبعة اتحاد اكسفورد فإنّ كلمة “cháng” تعني: المدينة أو سور المدينة، وكلمة “chéng” تعني: الطويل، أيّ أنّ الصينيين يطلقون اسم المدينة/ المدن الطويلة أو السور الطويل/ الجدران الطويلة على سور الصين العظيم.
إنّ الهيكل الحجري ذي الأسوار الذي يُمثّل الصورة الذهنيّة الشائعة لسور الصين العظيم، ليس إلّا جزء من الجدار، والذي بنته أسرة مينغ في الفترة ما بين (1358-1644)، أي أنّ عمره يبلغ حوالي 500 عام فقط بالمقارنة مع أجزاء السور القديمة التي هي عبارة عن كومة حجارة مدكوكة من الأرض والتي تعود إلى زمن توحيد الصين لأول مرة أي إلى ما بعد 221 قبل الميلاد، أي أنّ سور الصين العظيم المشهور، ليس هو الذي بُني قبل 2000 عام، وليس قديمًا كما هو الاعتقاد السائد.
ما يُشاهَد غالبًا في الصور السياحيّة للسور الذي يتكوّن من حجرٍ وطوب لا تُمثّل إلّا جزءًا منه، أمّا باقي أجزاءه وخصوصًا في الغرب فهي عبارة عن كومة حجارة مدكوكة في تضاريس من الأرض تشبه حدبات الجمال، وفي بعض الأحيان تلّة أو جُرُف، وفي أحيانٍ أخرى لا شيء من هذا كلّه، كما أنّ السور لا يتكوّن فقط من جدران؛ فهناك الحصون والثكنات وأبراج الحراسة والمنارات.
أمر الإمبراطور الأول المتوفّى عام 210 قبل الميلاد ببناء السور قبل فترة طويلة من ظهور المغول حوالي 800 بعد الميلاد، وكان التهديد بعد ذلك من شيونغنو (Xiongnu)، وحدثت المواجهات مع المغول فقط في أواخر القرن الرابع عشر، وطُرد المغول على يد أسرة مينغ من الصين.
يُشاع منذ القِدَم أنّ هناك عمّالًا مدفونين في سور الصين العظيم، إلّا أنّه لم يُعثَر على أي عظام في السور ولا يوجد أي دليل مكتوب أو أثري على هذا الافتراء الذي يُقال أنّ مصدره كان من المؤرّخ الرئيسي لسلالة هان، سيما تشيان، الذي انتقد الإمبراطور في عصره من خلال إهانة سلفه كين.
رغم عظمة السور والجهود الكبيرة التي بُذِلَت في بناءه، إلّا أنّه لم يحقق الهدف الذي بُنيَ لأجله وهو ردع أي تهديد وغزو للصين؛ فقبائل البدو الشمالية اجتاحوا الجدار أو التفّوا حوله بسهولة، وقد ألحق المغول الهزيمة بمينغ جنوب الجدار في عام 1449م، كما سقطت الصين في يد المانشو في عام 1644 رغم انتهاء أعمال البناء في السور، بسبب خيانة جنرال مخلي من مينغ بفتحه البوابة الشرقية البعيدة المسماة شانهايجوان (Shanhaiguan) للغزاة.
سور الصين العظيم طويل ولكن عرضه يتفاوت من قطعة إلى أخرى حسب المناطق؛ فهو ليس واسع بما يكفي لخمسة خيول جنبًا إلى جنب إلّا في بعض الأقسام حول بكين الذي بُني كجدار وطريق، أمّا في الأجزاء الأخرى من جدار مينغ ولا سيّما التلال التي تمتد فوق قمم سيماتاي، فهي لا تكفي إلّا لشخص واحد، وفي غرب السور لا يوجد ممر للمشاة، وكان على الخيول والجنود السير على طول قاعدة السور.
في أواخر القرن الثالث عشر وهي الفترة التي تواجد فيها ماركو بولو، كانت الصين تحت حكم المغول، وكان السور في ذلك الوقت مُدمَّر من قِبَل الغزاة على يد جنكيز خان قبل أكثر من 50 عامًا، فلم تكن له أي أهمية دفاعية، وفي الواقع، رأى ماركو بولو السور عدّة مرات خلال عدّة مرات ومر من خلاله في رحلاته من بكين إلى قصر كويلاي خان في زانادو، ولكن لم يكن لديه سبب للإشارة إلى ذلك.
هناك أمور بجب تجنّبها عند زيارة سور الصين العظيم لضمان السلامة والأمان أثناء الزيارة، من هذه الأمور ما يأتي: