اتّفق الرُّواة والنسّابون على أنّ آدم عليه السلام أبو البشر وأوّلهم، وقد تكاثر أبناؤه وعمّروا الأرض من بعده حتّى خرج سيدنا نوحٌ من نسله، وبعد حادثة الطوفان المشهورة هلك أغلب البشر، أمّا من تبقّى منهم فلم يُعقّبوا نسلاً، وبذلك أصبح سيدنا نوح أباً ثانياً للبشر، كما اتّفق النسّابون على أنّ أُمَم العالم قد تفرَّعوا من نسل نوح بعد ذلك؛ حيث أنجب ثلاثة أبناءٍ، وهم: حام، وسام، ويافِث، وقد كان سام -الابن الثاني- أبا العرب، وقد نسب ابن إسحاق خمسة أبناء إلى سام بن نوح، هم: أرفخشذ، ولاوِذ، وإرَم، وأشوذ، وغليم.
اعتاد العرب الأوائل على اتّخاذ الترحال الدائم نمَطاً للعيش؛ حيث سكنوا الخِيام، ورعَوا الإبل، وركبوا الخيل، واقتاتوا على القنص وألبان الأنعام، وانتشروا بشكلٍ أساسيّ في الأقاليم الواقعة بين المحيط الأطلسي إلى أقصى اليمن وأطراف الهند من الشرق؛ فسكنوا اليمن، والحجاز، وتهامة، ونجدًا، ومصر، وصحاري برقة، وإفريقيا، والمغرب الأقصى، وغيرها من المناطق.
اتّفق أغلب الرُّواة والمؤرّخون على تقسيم أصل العرب من حيث القِدَم إلى ثلاث طبقاتٍ؛ وهي: العرب البائدة، والعرب المستعربة، والعرب العاربة، وقد اختلف الرُّواة في تسميتهم إلا أنّهم اتفقوا في المُجمَل على وجود هذا التصنيف في الأساس.
كما اتّفق أكثر المؤرّخون ورواة الأخبار على تقسيم العرب تبعاً لأنسابهم إلى قسمين، وهم: القحطانيّون؛ ويعود أصلهم إلى اليمن، والعدنانيّون؛ ويعود أصلهم إلى الحجاز، وكلا القسمَين كُتِب لنسلِهما النّجاة والبقاء بعد هلاك العرب البائِدة، وقد اتّفقوا كذلك بنسبة كبيرة على أنّ القحطانيّين هم عربيّو الأصل؛ أي أنّهم تكلّموا العربيّة منذ نشأتهم، أمّا العدنانيّون فهم فرعٌ من القحطانيين؛ حيث أخذوا منهم العربيّة وتعلّموها.
من الجدير بالذّكر أنّ هذا التقسيم قد ورد إلينا ممّا تناقله ودوّنه المؤرّخون في عصر الإسلام من الأخبار المنقولة بالتّواتر؛ إذ لم يهتم العرب بتدوين التاريخ قبل انتشار الإسلام في ديارهم، كما لم يرِد تقسيم العرب إلى هذه الطبقات في التوراة أو أيّ مصادر يهوديّة أخرى، ولا في المصادر اليونانية، أو اللاتينية، أو السريانية، وعليه فإنّ هذا التقسيم قد وضعه العرب أنفسهم.
العرب البائدة هم العرب الذين بادوا وهلكوا قبل بزوغ فجر الإسلام، ولم يبقَ من حضاراتهم سوى أطلالٍ وأخبار، وقد نسب أهل الأخبار والمؤرّخون أغلب العرب البائدة إما إلى إرم أو لاوِذ، إلا قبيلة جرهم الأولى، فألحقوا نسبها بعابر، وهذه الأسماء مأخوذة من التوراة؛ حيث اقتبس منها المؤرّخون التّسميات التي تنطبق على القبائل العربية المقصودة في هذه الطبقة. كما وردت هذه الأقوام باسم العرب العاربة في مُقدّمة ابن خلدون، إمّا لكونهم أوّل أجيال العرب، أو تأكيداً على رسوخ عروبتهم.
إنّ العرب البائدة بإجماع أغلب الرُّواة يتوزعون بين الأقوام الآتية: عاد، وثمود، وجديس، وأميم، وطميم، وجاسم، وعبد ضخم، وجرهم الأولى، وعبيل، والعمالقة، وحضورا، وهم أقدم العرب بالمطلق لدى أهل الأخبار، أما قوم عاد، فينحدرون من نسل عاد بن عوص بن إرم، وقد كانت مساكنهم الأولى بالأحقاف بين اليمن وعُمان إلى حضرموت والشحر، وقيل إنّ أباهم عاداً كان أوّل ملكٍ للعرب.
أمّا قوم ثمود فيرجعون إلى ثمود بن غاثر بن إرم، وكان موطنهم بالحِجر ووادي القرى بين الحجاز والشام، وحريٌّ بالذكر هنا الإشارة إلى اشتهار أخبار عادٍ وثمود على غيرهم من العرب البائدة، فرغم تقدّم أقوامٍ آخرين عليهم بالزمن إلا أنّ ذكرهم في القرآن الكريم سلّط الضوء على أخبارهم عبر التاريخ.
أمّا العمالقة فهم أبناء عمليق بن لاوذ، وقد انتشروا في عدة أقاليم فسكنوا المشرق، وعُمان، والبحرين، والحجاز، وجاء منهم فراعنة مصر، وجبابرة الشام، وأمّا جاسم فمن نسل جاسم، وهو من العماليق الذين ينحدرون من عمليق، ما يعني أنّهم من نسل لاوذ بن سام، وسكنوا البحرين وعُمان، وأمّا حضورا فقد كانوا بالرسّ وهلكوا.
العرب العاربة هم العرب القحطانيون الذين ينحدرون من نسل قحطان كما يرد في الكتب العربية، وهو قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح، باتّفاق أغلب المؤرّخين والنسّابين. كما يُسمّيهم ابن خلدون بالعرب المستعربة؛ حيث سُمّوا بذلك لاعتبار الصيرورة فيما انتقل لهم من عادات العرب وتقاليدهم ممّن سبقهم من الأجيال؛ أي أنّهم أصبحوا في حال مختلفة عن حال أجدادهم.
وقد جمع الهمدانيّ أسماء أبناء قحطان من رواياتٍ مختلفة على النّحو الآتي: يعرب بن قحطان، وجرهم بن قحطان، ولؤي، وخابر، والمتلمس، والعاض أو العاصي أو القاضي، وغاشم، والمعتصم، وغاصب، ومغرز، ومبتع، والقطامي، وظالم، والحارث أوالحرث، ونباتة، وقاحط، وقحيط، ويعفر جد المعافر، والمود، والمودد، والسلف، والسالف، ويكلأ، وغوث، والمرتاد، وطسم، وجديس، وحضرموت، وسماك، وظالم، وخبار، والمتمنع، وذو هوزن، ويأمن، ويغوث، وهذرم.
العرب المُستعربة هم ثالث طبقات العرب، وهم من نسل إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وزوجته الجرهمية رعلة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي، ويُطلَق عليهم في روايات أخرى العرب المُتعرِّبة، وكذلك العدنانيّون، أو التراريّون، أو المعديّون، كما يُسمّيهم ابن خلدون في مُقدّمته المشهورة العربَ التابعةَ للعرب، وقد سُمّوا بالعرب المُستعربة لاندماجهم في العرب العاربة، وبعدها أخذوا منهم اللغة العربية؛ حيث تعلّم إسماعيل عليه السلام -الجد الأكبر للعرب المستعربة- اللغة العربية من مُخالطتهم، علماً أنّ أباه إبراهيم لم يتكلم العربية؛ حيث كان أعجمياً.
وقد كان نابت أكبرهم، كما كان نابت وقيذر الأكثر اشتهاراً في كتب العرب. ثمّ جاء من نسل إسماعيل عدنان، الذي يعتبره العدنانيّون جدّهم الأعلى، ومن أشهر أبنائه: معد، وعك، وقد اختلف الرُّواة والنسابون في عدد الآباء بين إسماعيل وعدنان، حيث قال بعضهم إنّهم أربعون، والبعض قال إنّهم عشرون، وآخرون ذكروا أنّهم خمسة عشر، وقد جاء النبي محمّد -عليه السّلام- من نسل عدنان، وتذكر الرّوايات أنّ موطن العدنانيّين هو تُهامة والتي تقع في مكة، إلا أنّ صعوبة ظروف العيش حملتهم على التفرّق والتشتّت في جميع أنحاء الجزيرة العربية، وصولاً إلى العراق وبلاد الشام.